ليس قليلاً ما حصل أول من أمس الأحد، لا على مستوى الشارع، ولا على المستوى السياسي، ولا على مستوى الفعل وردات الفعل.
لكن حين تكون الدائرة ضعيفة، فإنَّ حابل الديماغوجية يتداخل مع نابل الغوغائية، فلا يعود الشعب يعرف شيئاً وتضيع الحقائق.
نزل بجرأته المعهودة دولة الرئيس الحريري متحديا المخاطر ومتلقفا بصدره الحملة على مجلسي النواب والحكومة عارضا الاستماع الى صرخات المواطنين سواء في ما اطلقوه في رياض الصلح او من خلال لجنة لعرض مطالبهم.
ولتفادي الجهل والتجهيل، لا بدَّ من العودة إلى المعطيات وإلى ما يُقال له حديثاً لغة الداتا لاستكشاف حقيقة الأمور.
الإحتقان عائد إلى ثلاثة ملفات:
قانون الإنتخابات، الموازنة العامة للعام 2017، سلسلة الرتب والرواتب.
في قانون الإنتخابات، ما زال في عمر المجلس النيابي الحالي ثلاثة أشهر عداً ونقداً، في مثل هذا اليوم من حزيران المقبل يستفيق اللبنانيون على مجلس نيابي انتهت ولايته في ظلِّ اللا الكبيرة التي وُضعت للتمديد، واللا الأكبر التي وضعت لقانون الدوحة المنبثق من قانون الستين.
كيف ستتطور الأمور حيال مشروع قانون الإنتخابات النيابية؟
لا أحد يملك أيَّ جواب، فالمشروع الثالث الذي طرحه رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية جبران باسيل، إنضمَّ إلى المشروعين السابقين، لجهة رفضه، وليس في الأفق ما يشير إلى مشروع رابع على الطريق، خصوصاً أنَّ الوزير باسيل غادر بيروت إلى واشنطن للمشاركة في اجتماع لممثلي دول الحلف الدولي ضد الإرهاب، والمعلوم أنَّ ممثلي 40 دولة سيشاركون في هذا الإجتماع، وبما أنَّ الوزير باسيل هو المحرِّك لمشاريع القوانين الإنتخابية، فإنَّ هذا الملف سيُطوى مؤقتاً إلى حين عودته من واشنطن.
والرئيس سعد الحريري سيكون في القاهرة وسيرافقه وزير الطاقة والمياه سيزار أبو خليل مع وفد وزاري، وهكذا فإنَّ هذا الأسبوع يُتوقَّع له ألا يشهد أيَّ تطورٍ في ما يتعلَّق بقانون الإنتخابات.
أما على مستوى سلسلة الرتب والرواتب، فإنَّ المسألة أكثر تعقيداً، هذه السلسلة عمرها من عمر العهود المتعاقبة، كانت تستفيق ثم تغفو:
حين طُرحت للمرة الأولى منذ نحو عشرين عاماً، جرى تطييرها بسبب الإصرار على ربطها بالإصلاحات، ومنذ ثلاثة أعوام جرى تطييرها لأنَّ وزير الدفاع آنذاك سمير مقبل إعترض على الشق المتعلِّق بالعسكريين.
واليوم هناك المحاولة الثالثة، لكنَّها محاولة غير مشجِّعة بعدما تعالت الأصوات التي تحذر من الإنعكاسات السلبية، وأحدث هذه التحذيرات صدر عن وزير السياحة أواديس كيدنيان، الذي كشف أنَّه تمت دراسة السلسلة والموازنة بعمق ونحن بلد على شفير الإفلاس ولا يمكننا تأمين دفعات إضافية من دون إيرادات، فحين يتحدث وزير في الحكومة عن شفير الإفلاس ففي أية مرحلة نكون قد وصلنا؟
نكون قد وصلنا إلى آخر الملاذات التي هي المصارف، وفي هذا المجال لا بدَّ من التحذير من المسِّ بالقطاع المصرفي الذي يكاد يكون وحده الذي يموِّل الدولة، فأيُّ ضغطٍ عليه سيؤدي إلى انهيار الهيكل على الجميع، وإذا كنتم تريدون إيرادات فخفِّفوا النفقات، وهذا الأمر سهل جداً وكل ما يحتاجه هو مراقبة الصرف. فهل يُعقل على سبيل المثال لا الحصر، أن تكون الحكومات المتعاقبة تصرف على القاعدة الإثني عشرية، فيما الأرقام تقول بغير ذلك بدليل أنَّ موازنة العام 2005 لم تتجاوز العشرة مليارات دولار، فيما أرقام موازنة العام 2017 تكاد تصل إلى الرقم المضاعف، أي إلى عشرين مليار دولار؟
هذا لا يُسمّى قاعدة اثني عشرية، بل هو صرف عشوائي من خارج الموازنة يكاد يؤدي إلى إفلاس البلد.